تقديم
كيف ينبغي أن ندرس تأريخ الإسلام
(12)
التأريخ قبل الإسلام :
لم يكن للناس قبل الإسلام مادّة للتأريخ ، اللّهمَّ إلاّ ما توارثوه بالرواية ، مِمَّا كان شائعاً بينهم من أخبار آبائهم وأجدادهم وأنسابهم وشعوبهم وقبائلهم وملوكهم ، وما في حياة اُولئك من قصص فيها البطولة والكرم والوفاء ، وما كان من خبر الأُسر الّتي تناوبت الإمرة على الناس وما قاموا به من تجهيز الجيوش وإقامة الحروب وبناء المُدن والقصور ، إلى أمثال ذلك ، مِمّا قامت فيه الذاكرة مقام الكتاب واللسان مقام القلم ، يعي الناس منه ويحفظون ثم يؤدّونها كما هي أو بإضافة أو نقيصة ، وكثيراً ماكان بإضافات وتحريفات.
كان هذا عند الفرس المجوس ، واليهود الإسرائيليين ، والعرب الجاهليين المشركين ، واختص هؤلاء بأخبار الجاهلية الاُولى و أنسابها ، ومافيها من قصص عن البيت وزمزم وجُرهم ، وماكان من أمرها ، ثم ماكان من خبر الاُسر الّتي تناوبت الزعامة والإمرة على قريش ، وماجرى قبل
(13)
ذلك لسدِّ مأرب في اليمن ، وماتبعه من تفرّق الناس في البلاد .
التأريخ بعد الإسلام :
ثمّ ظهرت الرسالة الُمحمَّدية بصفتها أعظم حادث في حياة البشر عامّة والعرب خاصّة ، فكان محور تأريخ البشر عامّة والعرب خاصّة ، فما اجتمع ملأ منهم أو تفرَّق إلاّ وحديثهم عنه ، ولاتحرَّكت جيوشهم و كتائبهم إلاّ له أو عليه ، حتَّى تتوّجت جهوده بمعنى قوله سبحانه « إذا جاء نصرُ اللّه والفتح ورأيتَ الناسَ يدخلونَ في دينِ اللّهِ أفواجاً » فنبذوا ما كانوا فيه من الجاهلية الجهلاء والضّلالة العمياء بهداية القرآن والإسلام .
ويومئِذٍ وبظهور النبيّ صلىاللهعليهوآله وظهور دعوته ، ظهر مورد جديد للتأريخ ، وهي أحاديث الصحابة والتابعين وأهل بيته عليهمالسلام عن ولادته و حياته ، وما قام به صلىاللهعليهوآله من جهاد وجـهود في سبيل اللّه ، واصطدام في ذلك مع المشركين ، ودعوة إلى التوحيد ، وماكان فيها من أثر للسيف والسّنان واللسان والبيان ، وأصبحت هذه هي موادّ التأريخ الجديد بصورة عامّة وسيرة الرّسول بصورة خاصّة .
تدوين السيرة النبويّة وتأريخ الإسلام :
ولم يدوَّن في تأريخ الإسلام أو في سيرته صلىاللهعليهوآله شيء ، حتّى مضت أيام الخلفاء ، لم يدوَّن في هذه المدّة شيء سوى القرآن الكريم وتقويم إعرابه بمبادىء وقواعد النّحو على يد أبي الأسود الدؤلي بإملاء أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهالسلام ، وقد كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يحفِّز المسلمين على كتابة القرآن حِرصا على حفظه وصيانته ، كما إنّ تفشي العُجمة على ألْسِنةِ أبناء
(14)
العرب على أثر اختلاطهم بغيرهم عند اتساع الرّقْعة الإسلامية دفعت أبا الأسودالدؤلي إلى عرض ذلك على علي عليهالسلام فكان ذلك حافزاً على تدوين النحو .
وبهذا الاختلاط ايضا تفشَّت فيهم أخبار الماضين من ملوك الفرس وبني إسرائيل ، فلمَّا كانت أيام معاوية أحبّ أنْ يدوَّن في التأريخ القديم كتاب فاستقدم عبيد بن شرية من صنعاء اليمن فكتب له كتاب أخبار الماضين من ملوك اليمن من العرب البائدة وغيرهم ومنهم الفرس والحبشة .
وقد كان المسلمون يُحبُّون أنْ يخلِّدوا آثار مايتعلق بسيرة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وقد كان هذا يحقّق ما في نفوسهم من تعلّق به ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، ولكنَّهم ـ ببالغ الأسف ـ مُنعوا عن تدوين أحاديثه مخافة أنْ يختلط الحديث بالقرآن الكريم ـ كما زعموا ـ ، بل مُنعوا حتّى عن التحديث بحديثه ، حاشا أمير المؤمنين عليا عليهالسلام ، فإنّه لم يشارك في هذا المنع ولم يؤيّده ، بل كما أملى النحو على كاتبه أبي الأسود الدؤلي كتب هو أيضابعض الكتب في الفقه والحديث ، وأمر كاتبه الراتب عبيد اللّه بن أبي رافع أنْ يكتب المُهِمَّ من أقضيته ، وأحكامه في فنون الفقه من الوضوء والصلاة وسائر الأبواب(1) .
وبهذا الموقف من أمير المؤمنين عليهالسلام ، وبفعل حاجة المسلمين إلى أحاديث نبيِّهم ظهر فيهم غير واحد من حَمَلَةِ الأحاديث العلماء الفقهاء ، ولكن حيث استمر هذا المنع رسميّاً من قبل الخلفاء بعد علي وابنه الحسن عليهماالسلام إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، قام رجال كلّهم محدِّثون ، لم
(1) اُنظر رجال النجاشي : 4 ـ 7 ، ط . النشر الإسلامي .
(15)
يدوِّنوا في الحديث والفقه شيئا ، ولكنَّهم عوَّضوا عن كتابة أحاديثه بكتابة شيء من سيرته صلىاللهعليهوآله .
اُصول السيرة النبويّة وتطوّرها في القَرنين الأول والثاني :
لا شكَّ في الأهمية الكُبرى الّتي كانت لأقوال النبي صلىاللهعليهوآله وأعماله في حياته ، وأكثر منها بعد وفاته .
ومن الطبيعي أنْ تورث هذه الأهمية عناية بتدوين تفاصيل حياته وجمع الأخبار و الأحاديث عنه صلىاللهعليهوآله .
وطبيعي أيضا أنْ تكون القصص الشعبية عن سيرته موجودة في حياته معتنى بها ـ كحال الناس في العناية بقصص الأنبياء من قبل ـ .
وطبيعي أيضا أنْ يكون بعض الصحابة والتابعين قد تفوَّق على أقرانه في علمه بسيرته و مغازيه .
كتّابُ السيرة الأوائل :
إنّ أوّل من صنّف في السيرة هو عُروة بن الزبير بن العوّام ( ت 92 ه) .
وذكر ابن سعد في كتابه «الطبقات» مايفيد : أنّ أوّل من تخصّص فيها هو أبان بن عثمان بن عفّان (ت 105 ه) ، روى بعضها عنه المغيرة بن عبدالرّحمن .
ثم تنبّه إلى جمع أخبارها والتحديث بها وهب بن منبّه اليمني (ت 110 ه) .
ثُمَّ عاصم بن عمر بن قَتادة ( ت 120 ه) الذي يروي عنه ابن
(16)
إسحاق بعض أخبار سيرته كخبره عن دعاء النبي للاستسقاء في طريق تبوك ، وكثرة النِّفاق .
ثُمَّ شرحبيل بن سعد الشامي (ت 123 ه) .
ثُمَّ عبـد اللّه بن أبي بكر بن حزم القاضي (ت 135 ه) الّذي طلب منه عمر بن عبد العزيز أنْ يكتب إليه ماعنده من الأحاديث فنشرها بين الناس .
ثُمَّ موسى بن عُقبة (ت 141 ه) .
ثُمَّ مَعمر بن راشد (ت 150 ه) .
ثُمَّ مُحمّد بن إسحاق بن يسار المدني وقِيلَ بشار ـ بن خيار من سبي عين تَمْر بالعراق (ت 153 ه) .
ثُمَّ راويته زياد بن عبد الملك البَكّائي الكُوفي العامري (ت 183 ه) .
ثُمَّ مُحمّد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدي صاحب كتاب المغازي (ت 207 ه) .
ثُمَّ راوية ابن زياد البَكّائي عن ابن إسحاق : عبد الملك بن هِشام الحِمْيري اليمني البصري (ت 218 ه) .
ولم يصلنا من كُتب هؤلاء شيء سوى سيرة ابن إسحاق برواية ابن هِشام عن البَكّائي عن ابن إسحاق ، ومغازي الواقدي ، اللّهمَّ إلاّ روايات في طَيّات اُمَّهات المصادر التأريخيّة فيما بعد .
المؤرخون الأوائل:
وإلى جـانب هؤلاء ظهر مَنْ لم يقتصر على أخبار سيرة الرسول صلىاللهعليهوآله ، بل جمع إليها أخبار الجاهلية قبل الإسلام ، ثُمَّ أخبار الخُلفاء
(17)
بعده ، أو جمع أخبار بعض الخُلفاء ، أو الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام فقط ، فكانوا مؤرِّخين بالمعنى العام .
منهم : مُحمَّد بن السائب الكلبي الكُوفي النّسابة (ت 146 ه) .
وأبو مخنف لوط بن يحيى الأَزدي الكُوفي (ت 157 ه) .
وهِشام بن مُحمَّد الكلبي الكُوفي (ت 206 ه) .
ونصر بن مُزاحم المنقري الكُوفي (ت 212 ه) .
وعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 274 ه) .
وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه) .
وإبراهيم بن مُحمَّد الثقفي الكُوفي الإصبهاني (ت 283 ه) .
وأبو الفرج علي بن الحسين الأموي الإصبهاني (ت 284 ه) .
وأحمد بن واضح بن يعقوب البغدادي (ت 292 ه) .
ومحمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) .
وعلي بن الحسين المسعودي البغدادي (ت 346 ه) .
ومُحمَّد بن مُحمَّد بن النُعمان التَلعُكْبريّ المفيد (ت 413 ه) .