أخبار الصلاة :
مرّ تحت عنوان «عليّ عند النبيّ» عن ابن ابي الحديد ما تمامه : «اختلف في سنّ علي عليهالسلام حين أظهر النبيّ صلىاللهعليهوآله الدعوة اِذ تكامل له أربعون سنة : فالأشهر من الروايات انّه كان ابنَ عشر ، وذكر شيخنا أبو القاسم البلخي وغيره مـن شيوخنا وكثير من أصحابنا المتكلمين : أ نّه كان ابن ثلاث عشرة سنة ، ثمّ ذكر خبر البلاذري والإصفهاني في ضمّ النبيّ عليّا اِليه منذ كان عمره ست سنين ، ثمّ قال : وهذا يطابق قوله عليهالسلام : «لقد عبدت اللّه قبل أنْ يعبده أحد من هذه الاُمّة سبع سنين» وقوله : «كنت أسمع الصوت واُبصر الضوء سنين سبعا ، ورسول اللّه صلىاللهعليهوآله حينئذٍ صامت ما اُذن له في الإنذار والتبليغ» .
وذلك لأ نّه اذا كان عمره يوم اِظهار الدعوة ثلاث عشرة سنة ، وتسـليمه الى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من أبيه وهو ابن ست ، فقد صحّ أ نّه كان يعبد اللّه قبل الناس بأجمعهم سبع سنين(2) .
وروى الكليني بسنده عن سعيد بن المسيّب قال : سألت علي بن الحسين عليهالسلام : ابن كم كان علي بن أبي طالب يوم أسلم ؟ فقال : أو كان كافرا قط ؟ ! إنّما كان لعلي عليهالسلام حيث بعث اللّه عزّوجلّ رسوله صلىاللهعليهوآله عشر سنين ، ولم يكن يومئذٍ كافرا ، ولقد آمن باللّه تبارك وتعالى ورسولِه صلىاللهعليهوآله
(1) شرح النهج 13 : 229 .
(2) شرح النهج 1 : 15 .
(386)
وسبق الناس كلهم الى الإِيمان باللّه ورسوله ، والى الصلاة ثلاث سنين ، وكانت أوّل صلاة صلاها مع رسول اللّه الظهر ركعتين(1) .
وروى الشـيخ المفيد في «الإِرشاد» بسنده الى يحيى بن عفيف بن قيس الكندي عن أبيه عفيف قال : كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب رضىاللهعنه بمكّة قبل أَنْ يظهر أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فجاء شاب فنظر الى السماء حين تملقت الشمس ، ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي . ثمّ جاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، ثمّ رفع الشاب فرفعا ، ثمّ سجد الشاب فسجدا . فقلت : يا عبّاس ، أمر عظيم ! فقال العبّاس : أمر عظيم ، أتدري من هذا الشاب ؟ هذا محمّد بن عبد اللّه ابن عبد المطّلب ، ابن أخي ، أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علي بن أبي طالب ابن أخي ، أتدري من هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد .
اِنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدّين الّذي هو عليه ، ولا واللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة(2) .
وروى الطبْرسي خبر ضمّ النبيّ عليا اليه في صغره عن كتاب «دلائل النبوة» للبيهقي (ت 458) بسنده عن ابن اِسحاق عن ابن جَبْر ، ورَوى قبله
(1) روضة الكافي : 279 .
(2) الإِرشاد : 20 ، 21 . ومن أقدم من بحث هذا الموضوع كلاميّا هو المتكلمّ المعتزلي الأقدم الشيخ أبو جعفر الإِسكافي المتوفى في 240 هـ في كتابه : المعيار والموازنة : 66 ـ 78 بتحقيق الشيخ المحقّق المحمودي . وقد أكثر النقل عن الإِسكافي ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج . ومن الباحثين الأقدمين في الموضوع بعد الإِسكافي : القاضي النعمان المصري في كتابه : شرح الأخبار : 178 ـ 191 ، فراجع .
(387)
بسند البيهقي عن عفيف الكندي قال :
كنت امرأً تاجرا ، فقدمت منى أيام الحج ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرأً تاجرا ، فأتيته أبتاع منه وأبيعه . فبينا نحن كذلك إذ خرج رجل من خباء ، وأخذ يصلّي تجاه الكعبة ، ثمّ خرجت امرأة فقامت تصلّي معه بصلاته ، وخرج غلام وأخذ يصلّي معه بصلاته . فقلت : يا عبّاس ، ما هذا الدّين ؟ فقال : هذا محمّد بن عبداللّه يزعم أنّ اللّه أرسله ، وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد ، آمنت به ، وهذا الغلام ابن عمّه علي بن أبي طالب آمن به ، قال عفيف : فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا تابعه(1) .
وروى الخبر هذا ابن شهر آشوب في «المناقب» عن كتاب «المبعث» لابن اِسحاق ، و«تأريخ الطبري» بثلاثة طرق ، و«الإِبانة» للعُكبري ، بأربعة طرق ، و«تأريخ النسوي» ، والماوردي ، ومسند أبي يعلى ويحيى بن مَعين ، وتفسير الثعلبي وعن عبداللّه بن أحمد بن حنبل(2) بأسانيدهم عن عفيف الكندي وأ نّه أخو الأشعث بن قيس الكندي(3) وأنّ العبّاس قال له : اِنّ ابن أخي هذا حدّثني : أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمر بهذا الدّين ، ثمّ قال : واللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة .
وعـن ابن اِسحاق عن عفيف قال : فلمّا خرجت من مكّة اذا أنا
(1) إعلام الورى : 38 .
(2) مسند الامام أحمد 1 : 209 .
(3) ورواه القاضي النعمان في شرح الأخبار 1 : 179 قال : أتيت مكّة لأبتاع من عطرها وثيابها .
(388)
بشاب جميل على فرس قال : يا عفيف ما رأيت في سفرك هذا ؟ فقصصت عليه فقال : لقد صدقك العبّاس ، واللّه إنّ دينه لخير الأديان ، وانّ اُمّته أفضل الاُمم . قلت : فلمن الأمر مـن بعده ؟ قال : لابن عمّه وختنه على بنته ، يا عفيف الويل كلّ الويل لمن يمنعه حقّه .
ثمّ نقل عن ابن اِسحاق قال : اِنّ النبيّ كان اذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكّة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك زمانا .
ثمّ اِنّ أبا طالب رأى النبيّ وعليا يصلّيان فسأل عن ذلك فقال النبيّ : اِنّ هذا دين اللّه ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا اِبراهيم عليهالسلام . وقال علي : يا أبت آمنت باللّه وبرسـوله وصدّقته بما جاء به وصلّيت معه للّه . فقال له : امّا إنّه لا يدعو اِلاّ الى خير ، فالزمه .
ولكنّه نقل عن كتاب الشيرازي قال : اِنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام وقام يصلّي فيه ، فاجتاز به علي ـ وكان ابن تسع سنين ـ فناداه : يا علي أقبل اِليّ ، فأقبل اِليه ملبّيا ، فقال له : اِنّي رسول اللّه اِليك خاصة ، والى الخلق عامة ، تعال يا علي فقف عن يميني وصَلّ معي . فقال : يا رسول اللّه حتّى أمضي وأستاذن والدي ! قال : اذهب فإنّه سيأذن لك . فانطلق يستأذنه في اتّباعه ، فقال : يا ولدي : تعلم أنّ محمّدا ـ واللّه ـ أمين منذ كان ، امض واتّبعْه ترشد وتفلح . فأتى علي عليهالسلام ورسول اللّه قائم يصلّي في المسجد ، فقام عن يمينه يصلّي معه ، فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصلّيان ، فقال : يا محمّد ما تصنع ؟ قال : أعبد إله السماوات والأرض ، ومعي أخي علي يعبد ما أعبد يا عمّ . . . فضحك أبو طالب حتّى بدت نواجذه .
ولكنّه نقل عن ابن الفيّاض في «شرح الأخبار» عن أمير
(389)
المؤمنين عليهالسلام قال : مرّ علينا أبو طالب ونحن ساجدان ، فأخذ بيدي وجعل يرغّبني في ذلك ويمضي عليه(1) .
ونقل عنه عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبيّ يقول : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين ، وذلك أ نّه لم يؤمن بي ذكر قبله .
ونقل عن ابن شيرويه الديلمي في «الفردوس» عن جابر قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لقد صلّت الملائكة علي وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين قبل الناس ، وذلك أ نّه كان يصلّي ولا يصلّي معنا غيرنا . أو : لم يصلّ فيها غيري وغيره . أو : لم يصلّ معي رجل غيره .
ونقل عن (مسند أحمد بسنده) عن ابن عبّاس(2) . وعن تأريخ الطبري والبلاذري وجامع الترمذي و«الإبانة» للعكبري ، و«الفردوس» للديلمي
عليهالسلام ضحك على المنبر ، ولم أره ضحك ضحكا أكثر منه حتّى بدت نواجذه ، ثمّ قال : بينما أنا ورسول اللّه صلىاللهعليهوآله ببطن نخلة نصلّي إذ ظهر علينا أبو طالب ، فقال : ما تصنعان يابن أخي ؟ فدعاه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ورغّبه في الإسلام فقال : ما أرى بالّذي تقول وتصنع بأسا . . . ثمّ قال علي عليهالسلام : اللّهم لا أعرف عبدا من هذه الاُمة عبدك قبلي غير نبيّها ـ قالها ثلاث مرات ثمّ قال ـ لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد سبعا ـ يعني سبع سنين . ورواه ابن حنبل في المسند 1 : 99 .
(1) شرح الأخبار : 177 و 179 للقاضي النعمان المصري المغربي التميمي الشيعي الفاطمي الاسماعيلي ، المتوفى في 363 هـ . وقد أطلق ابن شهر آشوب عليه لقب : الفيّاض هنا وفي كتابه الآخر : معالم العلماء : 136 قال : «ابن الفيّاض القاضي النعمان ابن محمّد ، ليس بامامي ، وكتبه حسان» . ولم نجد أحدا غير ابن شهر آشوب لقّبه بهذا . والخبر : عن حبة العرني قال : رأيت عليا
(2) مسند الامام أحمد 1 : 373 ط 1 .
(390)
و«فضائل الصحابة» لابن حنبل بسندهم عن زيد بن أرقم عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : أوّل من صلّى معي علي(1) .
ونقل عن ابن حنبل في «مسند العشرة» و«فضائل الصحابة» والترمذي في «الجامع الصحيح» والنسوي في «المعرفة» وابن بطة العكبري في «الإبانة» بسندهم عن حبّة العرني قال : سمعت عليّا يقول : «أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه» .
وفي «مسند العشرة» و«فضائل الصحابة» لابن حنبل عن العرني عن علي عليهالسلام بلفظ : «اللّهم لا أعرف أنّ عبدا من هذه الاُمّة عبدك قبلي ، غير نبيّك» قالها ثلاث مرّات .
وفي مسـند أبي يعلى بلفظ : «ما أعلم أحدا من هذه الاُمّة بعد نبيّها عبد اللّه غيري» .
وفي مسندي أحمد وأبي يعلى عن العرني عنه عليهالسلام قال : «صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا»(2) .
ونقل عن سنن ابن ماجة القزويني وتأريخ الطبري عن عبّاد بن عبد اللّه الرواجني قال : سمعت عليّا قال : «أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي اِلاّ كاذب مفتر ؛ صلّيت مع رسول اللّه سبع سنين» .
ونقل عن سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد اللّه بن أبي رافع
(1) ورواه البلاذري في أنساب الأشراف 2 : 93 .
(2) في مسند أبي يعلي ، الورق 31 / بسنده عن حبة العرني عنه عليهالسلام : خمس سنين . أو : سبع سنين .
(391)
عن أبيه قال : اِنّ عليّا صلّى مستخفيا مع النبيّ سبع سنين وأشهر .
ونقل عـن «شرف النبيّ» للخرگوشي قال : جاء جبرئيلُ الرسولَ بأعلى مكّة وعلّمه الصلاة فانفجرت من الوادي عين حتّى توضّأ جبرئيل بين يدي رسـول اللّه ، وتعلّم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من الطهارة ، ثمّ أمر به عليّا عليهالسلام (1) .
والاربلي في «كشف الغمّة» ذكر خبر ابن اسحاق في ضمّ النبيّ عليّا اليه ، وأخبار مسند أحمد بن حنبل ، ثمّ نقل عن «المناقب» للخوارزمي عن عبداللّه بن مسعود خبرا يشبه خبر عفيف الكندي ، قال : اِنّ أوّل شيء علمته من أمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : أ نّي قدمت مكّة في عمومة لي فأرشدونا على العبّاس بن عبد المطلب فانتهينا اليه وهو جالس الى من ثمّ ، فجلسنا اليه . فبينا نحن عنده اِذ أقبل رجل من باب الصفا تعلوه حمرة ، وله وفرة جعدّة الى أنصاف اُذنيه ، أقنى الأنف ، برّاق الثنايا ، أدعج العينين ، كثّ اللحية ، دقيق المسرُبة(2) شثن الكفين ، حسن الوجه ، معه مراهق أو محتلم ، تقفوه امرأة ، قد سترت محاسنها ، حتّى قصدوا نحو الحجر فاستلمه ، ثمّ استلم الغلام ثمّ استلمته المرأة ، ثمّ طاف بالبيت سبعا ، والغلام والمرأة يطوفان معه . فقلنا : يا أبا الفضل اِنّ هذ الدين لم نكن نعرفه فيكم ، أَوَ شيء حدث ؟ قال :
عليهالسلام اِليه ، فقد نقله في فصل الطهارة والرتبة : 179 عن الطبري والبلاذري والواحدي والثعلبي وشرف النبيّ وأربعين الخوارزمي ومغازي ابن اِسحاق . .
(1) مناقب آل أبي طالب 2 : 14 ـ 19 . هذا هو الفصل الثاني في الجزء الثاني من الكتاب ، والفصل الأوّل : المسابقة في الإسلام من 4 الى 13 . وأمّا خبر ابن اِسحاق في ضمّ النبيّ عليّا
(2) المسرُبة : الشعر الدقيق من الصدر الى السرة .
(392)
هذا ابن أخي محمّد بن عبد اللّه ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد ، ما على وجه الأرض أحد يعبد اللّه تعالى بهذا الدين اِلاّ هؤلاء الثلاثة .
ثمّ قال : ومثله عن عفيف الكندي . . . وقال : وكان عفيف ابن عمّ الأشعث بن قيس . ورواه أحمد بن حنبل في مسنده والنطنزي في «الخصائص» ثمَّ نقل عن «الخصائص» في قوله تعالى : « واركعوا مع الراكعين »(1) قال : إنّما نزلت في النبيّ وعليّ خاصّة ، لأ نّهما أوّل من صلّى وركع(2) ، فعن علي عليهالسلام قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «نزلت عَليَّ النبوة يوم الإثنين ، وصلّى عليّ معي يوم الثلاثاء» .
ونقل خبر ابن أبي رافع بهذا المعنى عن «المناقب» للخوارزمي قال : صلّى النبيّ يوم الإثنين وصلّى علي من الغد يوم الثلاثاء ، قبل أن يصلّي الناس مع النبي سبع سنين وأشهر .
ونقل عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن علي عليهالسلام قوله ـ الّذي نقله ابن شهر آشوب عن سنن ابن ماجة وتأريخ الطبري ـ «أنا عبد اللّه وأخو رسوله صلىاللهعليهوآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي اِلاّ كاذب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس بسبع سنين»(3) .
وروى البحراني خبر ابن اِسحاق عن مجاهد بن جَبْر في ضمّ النبيّ
(1) البقرة : 43 .
(2) ونقله ابن شهر آشوب في المناقب 2 : 13 عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس . وعن الباقر عليهالسلام .
(3) كشف الغمّة 1 : 79 ـ 89 .
(393)
عليّا عليهالسلام وهو صغير ، في «حلية الأبرار» عن الصدوق بسنده عن ابن اسحاق(1) وفي موضع آخر عن تفسير الثعلبي(2) ثمّ روى الأخبار المارّة عن مسند أحمد بن حنبل ، ومناقب ابن شهر آشوب ، والكليني والصدوق .
ومن العامّة بعدما نقل ابن اِسحاق خبر المجاهد بن جبر قال : ذكر بعض أهل العلم : أنّ رسول اللّه كان اذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكّة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما شاء اللّه أنْ يمكثا .
ثمَّ اِنّ أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان ، فقال لرسول اللّه : يابن أخي ، ما هذا الدّين الّذي أراك تدين به ؟ قال : أي عمّ ، هذا دين اللّه ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم ، بعثني اللّه به رسولاً الى العباد .
وذكروا : أ نّه قـال لعليّ : أي بُني ، ما هذا الدّين الّذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبتِ ، آمنت باللّه وبرسول اللّه ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه للّه واتبعتهُ ، فقال له : امّا انّه لم يدعك اِلاّ الى خير فالزمه(3) .
وقال البلاذري : «وصلّى مع رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه [ وآله [ وسلّم ـ وهو ابن اِحدى عشرة سنة ، وهو الثبت» ثمّ نقل أقل من ذلك(4) .
(1) حلية الأبرار 1 : 232 .
(2) حليّة الأبرار 1 : 239 .
(3) السيرة النبويّة ابن هشام 1 : 263 ، 264 .
(4) أنساب الأشراف 2 : 90 .
(394)
ثمّ روى بسنده عن زيد بن أرقم قال : أوّل من صلّى مع رسول اللّه علي بن أبي طالب(1) .
ونقل المحقّق بهامشه عن مسند أبي يعلى بسنده عن حبّة العرني عنه أ نّه قال : ما أعلم أحدا من هذه الاُمّة بعد نبيّها عَبَد اللّه قبلي ، لقد عبدته قبل أنْ يعبده أحد منهم خمس سنين . أو قال : سبع سنين . وعنه قال : بعث رسول اللّه يوم الإِثنين وأسلمت يوم الثلاثاء(2) .
أجل ، هذه عيّنة وافية من أخبار الباب ، وهي كما رأيناها خالية عن ذكر القرآن ونزوله والقراءة منه في صلاتهم ولكن ـ قـال صاحب التمهيد ـ «لا شكّ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يصلّي منذ بعثته ، وكان يصلّي معه عليّ عليهالسلام وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة ، «ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . . . فلابدّ أنّ سورة الفاتحة كانت مقرونةً بالبعثة»(3) .
«وإن كان أوّل ما نزل من القرآن سورة العلق أو آيٌ منها فلم سمّيت سورة الحمد بفاتحة الكتاب ؟ إذ ليس المعنى : أ نّها كتبت في بدء المُصحف ، لأنّ هذا الترتيب شيء حصل بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله أو لا أقلّ في عهد متأخِّر من حياته فرضا ، في حين أ نّها كانت تسمّى بفاتحة الكتاب منذ بدايات نزولها» .
وللإِجـابة يقول : «أمّا الآيات الخمس من سورة العلق فهي أوّل آيات نزلت ، وأمّا سورة الحمد فهي أوّل سورة كاملة نزلت ، ولذلك سُمّيت
(1) أنساب الأشراف 2 : 92 ، 93 .
(2) هامش أنساب الأشراف 2 : 92 .
(3) التمهيد 1 : 96 .
(395)
بفاتحة الكتاب ، ثمّ لم ينزل من القرآن تباعا اِلاّ بعد الفترة»(1) .